الجمعة، 27 يونيو 2008

الصحافة: ندوة حول الإعلام الثقافي...وحديث عن تجربة جريدة الحاضرة (1888 ـ 1915)

الدورة الثانية لملتقى عميد الصحافة التونسية علي بوشوشة ببنزرت:ندوة حول الإعلام الثقافي...وحديث عن تجربة جريدة الحاضرة (1888 ـ 1915)

مع بدايات هذا الصيف التونسي الجميل وعلى ايقاع البحر وجمال المكان تخيّرت مدينة بنزرت محاورة الذاكرة والنبش في الخصائص الانسانية والثقافية والاجتماعية التونسية ضمن سياق تاريخي يعود الى منتصف القرن التاسع عشر...علي بوشوشة.... علم تونسي بارز اثّر في الحياة التونسية وأثرى مجدها الاعلامي والثقافي... كان ذلك محورا لندوة الملتقى الثاني الذي يحمل اسم «ملتقى عميد ا لصحافة التونسية علي بوشوشة: الاعلام الثقافي التونسي في الواقع والافاق»... هذه التظاهرة نظمتها المندوبية الجهوية للثقافة واللجنة الثقافية الجهوية ببنزرت يومي 21 و22 جوان الجاري بدار ا لثقافة الشيخ ادريس.عدد من المداخلات قدمت وكانت متعلقة بموضوع الاعلام والتاريخ حيث جاءت كلمة المندوب الثقافي لتركّز على أهمية هذا العلم في تاريخ تونس حيث ان تجربة علي بوشوشة كانت ضمن هذا التراث الاعلامي والثقافي الزاخر لتونس. كلمة اللجنة الثقافية عبرت فيها السيدة ليليا شوشان عن مكانة الاعلام في المجتمعات حيث ان الملتقى في دورته الثانية يسعى لأن يعبر مرة اخرى عن المكانة القديمة للاعلام في تونس.هذا وقد شهدت دار الثقافة الشيخ ادريس معرضا حول الاعلام الثقافي في تونس وذلك من خلال الوثائق والصور... كما عرضت بقاعة الندوة اعمال تشكيلية وفنية للفنانة بالراضية حيث كانت اللوحات مبرزة لمختلف المشاهد التونسة المعبرة عن الخصب والاخضرار الى جانب الورود والاشجار والمناظر الطبيعية الخلاّبة في نزعة فنية تقترب من الواقعية...في جلسة علمية ترأسها الاستاذ محمد علي الخميري قدّم الباحث محمد المي مداخلة بعنوان الملاحق الثقافية في الجرائد التونسية وقد أثار فيها تجارب الملاحق التابعة لجرائد الصحافة والحرية والشروق وذلك عبر استقرائها مبرزا اختلافها من حيث المحتوى والتوجّه في النظر الى الثقافة فمن الملحق الذي يضمن الخبر الصحفي والتحليل والتغطية الى الملحق الذي ينأى عن هذه المضامين وقد دعا المحاضر الى ضرورة ايلاء الجانب ا لثقافي أهمية سواء فيما يتصل بالصفحات الثقافية العادية او الملاحق الثقافية باعتبار الثقافة مادة اساسية لا يمكن ان تكون الجرائد ذات محتوى الا بها ولا يمكن للجريدة ان تكون ذات خصوصية الا اذا اولت الجانب الثقافي أهميته.الاستاذ أبو زيان السعدي تحدث في مداخلته عن دور الادب في النهضة التونسية مبرزا مختلف المراحل التاريخية لهذا الجانب عبر أعلامه وروّاده كما بين ان الشعوب تبني أمجادها عبر الاداب والفنون والابداعات وقد كانت الفترة التونسية التي تحدث عنها المحاضر زاخرة بالرموز والمفكرين والمصلحين حيث كان الادب مشعّا وحيويا في حركيته الاجتماعية التي عبّر من خلالها الشعب التونسي عن توقه للنضال والتحرر مثل بقية شعوب العالم وخلص أبوزيان السعدي في محاضرته الى ان النهضة التونسية كانت وثيقة الصلة بأدبها وروّاده الشيء الذي جعلها الفترة المضيئة في التاريخ التونسي والمرجع الحضاري والريادي.مداخلة الاستاذ يوسف سعيداني كان عنوانها من فيكتور ـ فيل الى باش حانبة او اخبار صحافي متفوق بين سنتي 1887 و1917.الجلسة العلمية الثانية ترأسها الدكتور محمود الماجري وقدمت فيها مداخلتان تعلقت الاولى بدور علم التاريخ لدى جماعة الحاضرة في اثارة الحمية الوطنية بينما كانت المداخلة حول الشعر في جريدة الحاضرة.الأستاذ علي العريبي صاحب المداخلة الاولى تحدث عن علي بوشوشة مدير جريدة الحاضرة مشيرا الى مقاله حول التاريخ وما يميزه صحبة البشير صفر في مزج التاريخ بالعلاقة بالوطن.وأبرز المحاضر ما يتوفر عليه علي بوشوشة من سعة اطلاع على تاريخ تونس والحضارة العربية والاسلامية والفكر الخلدوني والاسلامي حيث ان الحاضرة هي جريدة وطنية.وأشار الى ان فن التاريخ عند جماعة الحاضرة هو من أحلى الفنون العربية لقلوبهم حيث ترى جريدة الحاضرة ان يتعرف الطفل التونسي على تاريخ بلاده من خلال ما نذكر به في عجالة في هذا الجانب وما ينتج عن ذلك من نماء للروح الوطنية والتمسّك بالهوية والتعلق بالعادات والتقاليد فالهدف من دراسة التاريخ هو النظر في ارتقاء الأمم من حالة الى أخرى وهذه من وظائف التاريخ حسب علي بوشوشة.كما رأى المحاضر ان مفاهيم صاحب جريدة الحاضرة علي بوشوشة بخصوص التاريخ لا تبتعد عن نظرية ابن خلدون كما ان مبادىء حب الوطن والاوطان قد تعمقت مع جماعة الحاضرة حيث تزامن هذا الوعي مع ما عبر عنه دعاة القومية في المشرق العربي في خصوص التاريخ والوطنية وكانت الجماعة قد تواصلت مع ما جاء به المصلح خير الدين وخلص للقول ان علي بوشوشة كانت له آراء ومواقف بخصوص دور التاريخ في حياة الناس بالنظر لآراء الزيتونيين كما أكد على ان علي بوشوشة كان يتقن عددا من اللغات كما انه ترجم قصيدة لمحمد السنوسي ونشرتها الفيغارو هذا الى جانب ترجمته لبعض الاشعار من العربية الى الفرنسية كما انه كتب ا لشعر.الباحث محمد آيت ميهوب قدم مداخلة جاءت مهتمة بجوانب من النشاط الصحفي والادبي لعلي بوشوشة والشعراء الذين نشرت لهم الجريدة ومواطن حضور الشعر وأغراضه حيث رأى ان الشعر ليس مقصودا في حد ذاته وانما في سياق الافتتاحية التي كان يكتبها علي بوشوشة او المحررون في وظيفة استشهادية جامعة من رصيد الشعر العربي القديم وذلك لضمان التواصل بين الصحيفة والقارىء فعلي بوشوشة يقول ان قصد الجريدة هو الارشاد فالناظر للأشعار في الافتتاحيات يلاحظ بكل يسر ان حضور الشعر موجّه توجيها حجاجيا اقناعيا يدفع القارىء للتواصل من خلال الشعر القديم الضارب بمعانيه في الحاضر وذلك رغم تنوع المضامين في الافتتاحيات وخلص الباحث ايت ميهوب الى استنتاجات تتمثل في وجود أنموذج في كتابة الافتتاحية وتأثر المحررين بأنماط الكتابة القديمة مثل المقامة وتعويل الكتاب في الافتتاحية على تأثير الشعر في القراء فأحيانا ترد القصائد في ستين بيتا وفي صفحات مختلفة منها الاخيرة والشعر يوجد بجانب العمود الذي عنوانه الحوادث الداخلية. كما تعرض الباحث الى مقاطع شعرية وقصائد فيها طرافة وملامح اخرى لتجربة الصحيفة كما يوجد في الجريدة فضاء لنشر قصائد الالغاز التي لها اصداؤها لدى القراء وحتى في الجزائر. وهنا اختتمت المحاضرة بسؤال تعلّق بدور الاعلام في نشر الادب.هذه ا لمداخلات كانت مشفوعة بنقاش تعلّق بالادب والصحافة وراهن الاعلام الثقافي والادبي في تونس ومجالات تطوّره وضرورات تطويره وقد حضر هذا الملتقى وفد من عائلة علي بوشوشة التي تقيم بالجزائر وقد استحسنوا هذا الملتقى لحفظه للذاكرة واستبشروا حين أعلمهم الدكتور علي ا لعريبي انه يعدّ لكتاب حول علي بوشوشة سوف يصدره المركز الوطني للاتصال الثقافي بوزارة الثقافة والمحافظة على التراث.وللتذكير وحسب مرجع حصاد العمر المجلد الثاني للاستاذ ابو القاسم محمد كرو فان علي بوشوشة ولد في بنزرت وتلقى تعليمه التقليدي بالكتاب والزيتونة وكان في طليعة أول فوج افتتحت به المدرسة الصادقية عام 1885 واختير للدراسة في بريطانيا ضمن البعثة التونسية الثانية سنة 1879 وبعد ثلاث سنوات اي سنة 1882 عاد في العطلة الصيفية فمنع من العودة الى الدراسة مثل زملائه وأجبر على الوظيفة في ادارة الاحتلال. أسّس مع هؤلاء الزملاء وبعض الشيوخ المصلحين جريدة الحاضرة عام 1888 فكانت أول جريدة عربية مستقلة تصدر بتونس وعاشت 27 عاما. وانقطع لها ولأعماله الفلاحية كما ساهم بقلمه وبالترجمة في ا لنهوض بالمقال الادبي والسياسي والاجتماعي كان يجيد عدة لغات وهي التركية والفرنسية والانقليزية كما انه ترجم كتابا في ا لطب العلاجي للطبيب الجزائري قدور بن العربي.

ليست هناك تعليقات: